ما يميز مرتزقة الإعلام بإقليم الكوارث الاجتماعية ان كل من هب ودب وحوصر بالعطالة وقلة الحيلة ينجذب بقوة إلى مهنة الصحافة رغم غياب الإمكانات والمقومات الفكرية والمعرفية مما يهدد جملة وتفصيلا اقدس مهنة في التاريخ ويحول مبدا حق التمتع بحرية التعبير والرأي عن الأفكار والمعتقدات إلى مبدا بدون قيمة ليس بسبب التضييق ولا العسف الإداري بل لان الحقل الإعلامي اقتحمه الجهلة والهاربين من الفشل الدراسي ولان السلطة أيضا استطاعات ترويض أسماء كثيرة وحولتها إلى أبواق للدعاية الرخيصة ومطاردة الأصوات الحرة المعارضة لما هو موجود وكائن وهذا المنحى يهدد حرية الاختلاف الفكري مما فسح المجال طبعا للملاحقات القضائية لتكميم الأفواه وإخراسها بالمرة لتسييد التوجه الواحد وهذا التوجه طبعا يضرب في العمق المفهوم الديمقراطي الحداثي.
وبناء على المنطق السابق والانتقادات الموجة إلى المسؤولين ورموز الفساد السياسي والإداري المبنية على وقائع حقيقية فان كل مخالف للتوجه العام الذي انصهر فيه الطفيليين وأشباه المراسلين فانه بالضرورة عدو للجميع ويجب محاسبته ومعاقبته بل ومحاصرته بجميع الطرق الممكنة لإسكاته وحصره في الزاوية الضيقة.
الرهان على التغيير والإصلاح لا يمكن تحقيقه بالأدوات المتجاوزة ولا باستنفار النكافات والمبرقين والملمعين لتدثير العفن بورق السلوفان فالحقيقة دائما تسطع والوضع المزري الذي تعرفه اغلب المؤسسات العمومية والدستورية شاهد على الفساد المستشري والمكتسح لبنية المجتمع ولن تكفي الدهانات ولا قصائد المديح في معالجة الإشكالات وتجاوز الإخفاقات بل الإقليم بحاجة إلى فكر متجدد وتصورات واقعية تستمد قوتها ومرجعيتها من الاحتياجات الأساسية للمواطنين الذين يعانون الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي.
إن عمليات خلط الأوراق في الحقل الإعلامي في إقليم الخميسات لا تحتاج إلى كثير عناء لكشف ملابساتها والأهداف المرسومة سلفا والجهات التي تحركها وتضع الخطط لخدمة المصالح الخاصة ، فاذا كانت الصحافة الحقيقية تعد احد الركائز الأساسية لنشر الوعي والتفكير الجماعي المتقدم إسهاما في تحديد المستقبل الذي تنشده الساكنة والخالي طبعا من الفساد وافتعال الأزمات ليسود النهب و التربح غير الشرعي وضرب مصالح الطبقات المسحوقة، فانه في الجانب الأخر تم استنبات الطفيليات والأعشاب الضارة لترويج التفاهة والإسفاف لإيهام القارئ والمتلقي انه الإعلام القريب من الشارع والذي يتناول همومه وانشغالاته.
فما الذي يخيف الأجهزة الرسمية من الصحافة الحقيقة وتتحامل عليها ولماذا تقرب الجهلة ولفيف الأمية وتفرد لهم مساحات للتحرك لنشر المقالات المعدة سلفا في المكاتب والمليئة طبعا بالمغالطات وتخاصم الواقع العفن، سؤال بسيط والإجابة عنه ابسط بكثير ، فالمسؤول الفاشل الذي يستلذ بالمنصب والأجرة الشهرية الدسمة بحاجة إلى بيادق تستعمل عند الضرورة للرد على الفضائح والتجاوزات والاكراهات التي تعيق السير العادي لمؤسسة عمومية البعيدة كل البعد عن مطالب الساكنة الملحة والاختيارات الشعبية، وهذه العمليات الهجينة تساهم قطعا في خلق القلاقل الاجتماعية وتؤدي إلى التذمر الجماعي خاصة حين يرتفع معدل الضحايا ويكون المواطن ملزم بالبحث عن منحى آخر للدفاع عن المصالح المشتركة وإسماع صوته للجهات العليا في مواجهة الاستهتار والبيروقراطية والعجز عن تقديم الفارق.
صحيح ان السلطة غيرت من آليات وأدوات الاشتغال وبدل المواجهة المباشرة مع الأقلام الحرة وممارسة القمع والاضطهاد والرقابة لكونها تنشد الحرية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد استبدلت أساليب اللعب وخلقت جيشا من التابعين والانتهازيين والمرتزقة ومنحتهم الشرعية وفتحت لهم الأبواب لحضور الاجتماعات الرسمية واستدعاؤهم للحفلات لملأ البطون بالأطعمة المجانية وممارسة التسول وملاحقة رؤساء الجماعات الترابية مما ضرب في العمق التقاليد العريقة لمهنة الصحافة وحولها من سلطة رابعة الى سلطة راكعة تستجدي الصدقات والطبطبات من أولياء النعم واستهلاك الراي والتوجه الواحد المليء طبعا بالتدليس والكذب والافتراء للتمويه وقلب المعادلات لطمس الحقائق التي تعاني منها قطاعات عمومية على وشك الإفلاس الخدماتي.
ولجميع هؤلاء الذين يلمعون صور المسؤولين الفاشلين من باب البحث عن أعلان الوجود والتزلف نقول لهم صراحة ان المصلحة العليا تقتضي الدفاع عن الإقليم و الساكنة وليس الاصطفاف في جانب المسؤول الذي يقبض راتبه الشهر من أموال دافعي الضرائب ولا يقدم أي شيئ ولهم أن يتساءلوا في قرارة النفس الأمارة بالانبطاح والتملق ماذا يخدمون صراحة فالذي يمارسونه لا يدخل إطلاقا في باب الإعلام المتمكن والهادف والمسؤول وصاحب الرسالة والمبادئ ولا يشكل أي فارق باستثناء ملا الساحة ضجيجا ونقيقا ونهيقا وتدافعا لتمييع الحقل وخدمة أجندات رموز الفساد السياسي والإداري الذي ساهم في خلق أزمة في الإقليم الذي يتوفر على موارد طبيعية وبشرية مهمة لم تستغل كما يجب لخلق تنمية مستدامة.
كما ان المسؤول الذي يحرك البيادق لتلميع الصورة دفاعا عن الخطأ لا يؤمن إطلاقا بالتوجهات السامية لأعلى سلطة في البلاد بل يشتغل عكسها ومصيره طبعا الإبعاد من الوظيفة العمومية والنفي إلى ( الكراج) كما حصل مع عشرات المسؤولين الذين حطوا الرحال بالإقليم بل منهم من يلاحق قضائيا والأمثلة كثيرة ومتعددة.
ان محاولات إسكات الأصوات المشاكسة التي ترفض الاصطفاف في الجانب المعيب يعد ارتكاسة لحرية التعبير وخنق اكيد للرأي الصريح والشفاف في إقليم يعد مرتعا خصبا لجميع التجاوزات والاكراهات التي عطلت التنمية لسنوات وخنقت مفهوم الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة وحولتها الى شعارات فارغة بدون قيمة.
![]()
