مسار دمج الإسلاميين في الحكم في العالم العربي بين النجاح والإخفاق

 مما لا شك فيه أن أي حزب من الأحزاب في الممارسة السياسية يطمح للوصول إلى الحكم ، ولما لا قيادة حكومة معينة ، وهذا طموح مشروع لا يمكن أن يتنازع حوله عاقلان ، والا ما جدوى من تأسيس هذا الحزب أو ذاك إذا لم يطمح إلى تجريب حظه في تسيير الشأن العام من أي موقع كيف ما كان نوعه ، وإذا لم يتم الاستفادة من تجربته ، ومن خبرة الكفاءات التي قد يكون يتوفر عليها ، خدمة لبلده ، هذا هو المنطق السليم في الممارسة السياسية الحقيقية ، وإن كان هذا حقيقة يتطلب الكثير من العمل والجهد ،والاشتغال على مستويات عدة ، فالمشاركة في الحكم أو الوصول إلى قيادة حكومة معينة في العالم العربي ، وإمكانية الظفر بهذا التشريف ، وبشكل خاص إذا كان هذا الحزب في المعارضة ، أو يتبنى إيديولوجية معينة ، أو أفكارا لا تساير التوجه العام للدولة ، أو يجر وراءه تاريخا أوإرثا يتشح بنوع من التعصب والتطرف ، فالأمر سيكون في غاية الصعوبة ، والطريق لن تكون سالكة ولا مفروشة بالورود أمامه، لأن ثمة مجموعة من الاعتبارات هي التي تتحكم في ذلك ، منها ما قد يتعلق بالسياق المحلي من جهة ، و الدولي من جهة ثانية، فكل ذلك وغيره لا يتيح لأي حزب من الأحزاب الوصول إلى السلطة بسهولة ، ويتجسد هذا الذي ذكرناه بشكل جلي ، في الأحزاب الإسلامية في الوطن العربي بالخصوص وكيف وصلت إلى السلطة . هل وصلت إليها بسلاسة مثلما وصلت إليها أحزاب أخرى ؟ هل كانت هناك إرادة أو رغبة من طرف الدول العربية وأنظمتها أو حتى من الأحزاب التي تتقاسم معها الساحة السياسية ، في أن تتسلم هذه الأحزاب الإسلامية زمام السلطة ذات يوم فيها ، أم أنها واجهت في ذلك صعوبات وتعقيدات ، وبالكاد عقدت توافقات مع الأنظمة المحلية ، وفي ظروف سياسية وتاريخية معينة ، وقدمت العديد من التنازلات ، و قامت بالعديد من المراجعات ، في النهاية استطاعت الوصول إلى السلطة ؟ إن ما نريد أن نؤكد عليه في هذا السياق هو أن الرهان عند كل الأحزاب السياسية سواء في المغرب أو غيره يبقى هو الوصول إلى السلطة ، بدون منازع ، وهذا هو الهدف والغاية ، الفرق فقط يكمن في المسار وحسب ، وما يؤطره من حيثيات وملابسات .
لقد كان حلم وصول الأحزاب الإسلامية إلى السلطة في العالم العربي إلى عهد قريب بعيد المنال ، ليس هذا وحسب ، بل لقد كان السماح لها في أول الأمر، المشاركة في الحياة السياسية من باب المستحيلات ، لأن ليس هناك أية دولة عربية كانت قادرة على الإقدام على هذه المغامرة ، أولا لأن شروط ذلك لم تكن متوفرة وناضجة بالشكل الكافي ، وثانيا لأن المرجعية التي تستقي منها هذه الأحزاب فكرها ومبادئها تدعو إلى أمور لا تنسجم والبعد الديموقراطي وتداول السلطة ، الذي بدأت تؤسس له هذه الدول رغم العديد من النواقص التي تعتريه ،هذا البعد الذي كانت لا تؤمن به في أول الأمر ، وكانت تريد العودة إلى نظام الخلافة وإحيائه من جديد كنظام للحكم في المجتمعات التي تعيش فيها ، لكن مع مرور الوقت اتضح لهذه الأحزاب الإسلامية التي خرجت من رحم العديد من الجمعيات الدعوية أن لا مناص من الخروج من هذه اليوثوبيات والتخلص منها ، والعودة إلى الواقع ومحاولة الاندماج فيه وفي واقعه السياسي بشكل طبيعي ، الشيء الذي حصل بعد ذلك ، ولقد ساهم في تسريع هذه العملية ، في المقام الأول ، رفع العديد من القوى الغربية الفيتو عن الإسلاميين المعتدلين والسماح لهم في الوصول إلى مستوى المسؤولية و الحكم ، وتعزيز الممارسة الديموقراطية في العالم العربي ، وإن كانت عملية الدمج هذه ليست بالسهلة ، فحالات الأحزاب الإسلامية وأوضاعها تختلف من بلد إلى بلد ، ومن قطر إلى قطر ، لكن على العموم هذه الانعطافة في الموقف الدولي لعبت دورا إيجابيا في دخول هذه الأحزاب غمار السياسة من بابه الواسع ، وإذا كانت هذه الأحزاب قد كسبت ود واعتراف المنتظم الدولي ، الا أنها ستجد نفسها في البداية في مواجهة أحزاب محلية أغلبها لم ترحب بهذا الدخول ، أو قبلته على مضض ، لأنها استشعرت قوة هذه الأحزاب ، والقاعدة الجماهرية التي تساعدها ، وأنها ستشكل لهم من دون شك منافسا حقيقيا ،مستغلة في ذلك تراجع شعبية وعنفوان العديد من الأحزاب التي أمسكت بمقاليد الحكم ، وأظهرت فشلها أو محدوديتها ، وهذا ما حدث بالضبط ، فمباشرة بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي تسلمت جل هذه الأحزاب الإسلامية السلطة ، وصوتت الجماهير لها بشكل منقطع النظير ، كأول امتحان لهذه الأحزاب في ممارسة السلطة وتسيير شؤون بلدانها ، لكن للأسف الشديد لم يحالف الحظ والنجاح هذه التجربة في جل البلدان العربية التي وصلت فيه هذه الأحزاب إلى السلطة ، ليس هذا وحسب ، بل تم وأد هذه التجربة في مهدها ، وتم التراجع بشكل كبير على كل المكتسبات الديموقراطية التي أتت مع رياح الربيع العربي ، وحوكم من حوكم ، وسُجن من سُجن ، وتم حل هذه الأحزاب في دول بعينها ، وبذلك يكون قد أسدل الستار على حكم الإسلاميين في هذه الدول ،الذي لم يُعمّر طويلا ،ومنه يبدو أنهم لن يعودوا ثانية في الأفق المنظور على الأقل إلى المشهد السياسي في أوطانهم بنفس القوة والتأثير ، لأنهم فقدوا الكثيرمن الألق والتوهج بفعل الضربات المتتالية التي تلقتها سواء من الأنظمة الحاكمة أو من طرف القوى المنافسة لها في الميدان ، لتبقى التجربة المغربية في هذا الخصوص هي التجربة الرائدة والناجحة على هذا الصعيد ، لقد استمر الحزب الإسلامي الأول في المغرب في ممارسة السلطة لولايتين متتابعتين بقوة الدستور والانتخابات ، رغم أن هناك أصوات كانت تنادي سواء من الداخل أومن الخارج بعدم إتاحة هذه الفرصة لهذا الحزب ، وتوفير له الأجواء المناسبة ليبصم على نجاحه ، لكن هذا الحزب خيَّب ظن الكثيرين من أصحاب هذا الطرح ، وأظهر حِسّا بالمسؤولية فاجأ الكثيرين ، ومرت الولايتان اللتان تسلم فيهما هذا الحزب زمام الأمور بسلام وبهدوء ، ومارس كل صلاحياته التي يكفلها له الدستور، وحافظ على المصالح العليا للبلاد، في احترام تام لكل مؤسساته المختلفة، ولم يصدر عنه يوما ما قد يدعو إلى التشكيك في ديموقراطيته ، وقبول الاختلاف والتعددية ، وبدا حزبا عاديا مثله مثل باقي الأحزاب ، لا أدنى إشكال له مع النظام بالمطلق ، ولا مع أي جهة كانت ،داخليا أوخارجيا ، وبالتالي بدّد الكثير من المخاوف التي كانت تساور بعض الأطياف الاجتماعية سياسية كانت أو مدنية ، وتلقى إشادات من قوى أجنبية كانت إلى عهد قريب لا تؤمن بقدرات هذا الحزب في تحمل المسؤولية ، وهكذا راكم هذا الحزب نقطا إيحابية جعلته يكسب ثقة المؤسسة الملكية التي لطالما دعمته وساندته في محطات عدة في سبيل إنجاح هذه التجربة المغربية الفريدة ، بشكل يعكس الرؤية المشتركة وتقاطع المصالح بينهما ، وبالتالي إعطاء صورة واضحة عن الاستثناء المغربي الذي يكفل لكل حزب ديموقراطي الدخول في العمل السياسي وتحقيق طموحاته المشروعة .ورغم الإخفاق الأخير الذي عرفه هذا الحزب نتيجة العديد من الاعتبارات والظروف ، لكن هذا لا يمنع من العودة ثانية إلى المسؤولية .
نحن في هذا المقام لسنا بصدد تقييم الحصيلة التي حققها هذا الحزب على مر الولايتين اللتين مارس فيهما السلطة وتحمل المسؤولية ، وهل حقق ما كان منتظرا منه أو لا ؟ فهذا موضوع آخر ، نحن في هذا المقام سلطنا شيئا من الأضواء على المسار الذي سلكه هذا الحزب وغيره في بعض المجتمعات العربية للوصول إلى السلطة ، والمجهود الذي بذل في سبيل هذه الغاية ، لكن مع كامل الأسف ، تم إجهاض هذه التجربة في العديد منها تحت مبررات مختلفة ، باستثناء المغرب الذي يبدو أنه لا يريد التفريط في هذا الحزب لأنه يلعب دورا مهما في المعادلة السياسية في البلاد.

Loading

Share
  • Link copied