غالبا حينما يتم التأريخ للرواية المغربية من طرف العديد من النقاد والمهتمين،تجدهم يعتمدون في ذلك على تاريخ ظهور الرواية باللغة العربية ،ويعتبرون روايات بعينها هي نقطة البداية الأولى لها ،ولكن الحقيقة عكس ذلك ،لأن التأريخ لهذا الجنس الأدبي من الناحية الموضوعية ،يجب أن يشمله في بعديه العربي والفرنسي ،مهما كانت درجة اختلافنا في هذا الأمر ،فإن الرواية تبقى مغربية وكاتبها مغربي، وبالتالي فالحديث عن الرواية ،يجب أن يكون في شموليته،دون تمييز أو تفريق،حتى لو كانت هناك على سبيل المثال رواية أخرى معبرة بلغة أخرى ،أمازيغية أو إسبانية أو إنجليزية أو غيرها من اللغات ،فالمنطق يقتضي اعتبارها هي نقطة البداية وهي الينبوع الذي يتفرع عنه باقي الجداول،وهذا في نظري لا يجب أن يشكل عقدة أو مشكلة لأي أحد من أي جناح أو شريحة سواء من الكتَّاب أنفسهم أو من المتلقي بشكل عام أو من الناقد بالدرجة الأولى،وهذا لا يقلل من شأن اللغة العربية نهائيا ،فاللغة في النهاية تبقى وسيلة للتعبير،وأداة لتبليغ الخطاب وحاملة للمتن لا أقل ولا أكثر ،فالمسألة إذن يجب أن تبقى في هذا الإطار ،و لا يجب أن تأخذ أبعادا أخرى ،وألا نحمِّلها ما لا تحتمل،لأن الغاية والهدف في النهاية هو بناء صرح منيع للرواية المغربية وتعبيد الطريق لها لضمان انتشارها وقوتها وتجويدها وتنافسيتها،وجعلها تتشح بهويتها وبخصائصها التي تميزها عن باقي مجتمعات العالم ،سواءا من الناحية الموضوعاتية أو الجمالية ،وتحقيق الثراء والتنوع الذي لا يمكن إلا أن يخدم هذه الرواية في سيرورتها،وتأسيسا على هذا التحليل،فيمكن القول أن الرواية المغربية باللغة الفرنسية سابقة على اللغة العربية من حيث الظهور مقارنة مع شقيقتها العربية،وفي هذا الصدد يمكن اعتبار رواية في “سبحةالعنبر“” لأحمد الصفريوي” هي أولى الكتابات الروائية في المغرب وذلك سنة 1949 وتليها “الماضي البسيط “”لإدربس الشرايبي” سنة1954 ،وهي حقا كتابات ذات مرجعية مغربية ،لكن بخلفية سياسية لها صلة بحقبة الحماية ،ولهذا سيسارع النقاد إلى اتهامها عن غير صواب دائما بالنزعة الفرنكفونية والتصوير الإثنوغرافي ،وكأن الكتابة بغير لغة الأم سُبَّة أو نقص أوخروج عن الإجماع،إن المهم هو الموضوع الذي تم تناوله،وتأثيره في الوعي الجمعي وفي السياق الثقافي والسياسي والاجتماعي السائد،هذه هي أدوار الرواية التي يجب ان تلعبها في أي مجتمع،المحتوى والمضمون ودرجة الصدى الذي تحدثه لدى المتلقي ،أما اللغة فبالنسبة إلي تبقى مسألة ثانوية طالما أن صاحبها متمسكا بهويته المغربية ويقتحم أسوار القضايا المحلية واستبار أغوارها،ولا يخدم أي استراتيجية أو أجندات معينة، وقد يتعاطى الروائي في كتاباته إلى قضايا عالمية معينة، إنسانية،أو تاريخية ،فالأمثلة في هذا الخصم كثيرة ومتنوعة ،متحاوزا محليته في ذلك،ولكن دائما نقول هذا الروائي من هذا البلد أوذاك،الا أن رغم ذلك لا يسلم هؤلاء من النقد لا لشيء سوى أنهم ،يرتاحون بالكتابة باللغة التي يحبو نها ( الفزنسية) ويجدونها مناسبة لهم لإيصال خطابهم وإنتاجهم إلى القارئ،وبالتالي يجدون تهمة جاهزة تطاردهم أينما حلوا وارتحلوا،وهي إعلاء شأن اللغة الفرنسية على حساب اللغة العربية ،والدفاع عن الفرنكفونية أو أي شيء من هذا القبيل ويتم السقوط في مخالب نقاش ايديولوجي غالبا ما يكون عقيما ،وكأن هؤلاء بهذه الانتقادات يريدون اختصار أو اختزال المسألة وكأنها صراع لغوي ،أو يريدون اختلاق هذا الصراع ،أو هناك أولوية للغة على أخرى ،وهذا نقاش لا طائل من ورائه ولا يخدم الرواية المغربية التي لا زالت تطمح إلى الريادة واقتحام عوالم وأسرار وطابوهات كثيرة ،لا زالت لم يُماط عليها النقاب،وفي حقيقة الأمر يمكن اعتبار هذا النقاش بهذه الصيغة مضيعة للوقت ليس إلا،وثانيا إلزام كاتب أو روائي معين بالكتابة بلغة معينة هو تدخل سافر في حرية المبدع ،الذي يجب أن يتمتع بحريته كاملة في اختيار اللغة التي يطمئن إليها وتساعده في التعبير ،وعلى أية حال مهما كانت نظرتنا للرواية المعبرة باللغة الفرنسية ،وهل هي في مستوى تظيرتها بالعربية ،أم لا؟وهل راكمت نفس التجربة التي راكمتها ،سواء من حيث الكتابة أو الأسماء؟ لكن الأهم في النهاية أنها شفت طريقها بكل جدارة واستطاعت أن تتموقع في الحقل الأدبي والثقافي المغربي تموقعا كبيرا ،واستطاعت أن تكسب فئات عريضة من القرَّاء والمهتمين تتزايد يوما عن يوم،وعموما فهذا الاتجاه في الكتابة بالفرنسية سيتطور منذ ظهوره كما أومأنا إلى ذلك آنفا نحو آفاق رحيبة ومتميزة كما نسجلها مع“الطاهر بنجلون“الفائز بجائزة “غونكور1987″ و“فؤاد العروي“و“عبد الحق سرحان“و“أمين يوسف العلمي” و” ماحي بينبين“و” محمد نضالي” واللائحة طويلة ،و لعل الذي أتيحت له فرصة ملاحظة أو قراءة أعمال هؤلاء فسيلفيها لا تقل أهمية عن كتابات زملائهم باللغة العربية من حيث تكريس الهوية الوطنية والإنسية المغربية عبر التركيز على العادات ومظاهر الحياة اليومية ،ما يؤكد أن التعبير بلغة أجنبية لا يفضي بالضرورة إلى الاغتراب أو الاستلاب أو إزدواجية الهوية الممقوت.