لا شك أنه حينما يتم الحديث عن مفهوم جديد للسلطة ، فهذا يعني أوتوماتيكيا أن هناك مفهوما قديما كان قائما قبله ، وساد لمرحلة زمنية معينة بإيجابياته وسلبياته ، لأن ليس هناك نموذج أومفهوم سياسي لا يخلو من إيجابيات ، أو من نقط مضيئة فيه على الأقل ، ولذلك من الصعب القول أن هذا النموذج السياسي كان فاشلا في شموليته من منطلق أنه لم يحقق جميع الطموحات السياسية والديموقراطية والحقوقية والاقتصادية بالتحديد ، التي تريدها الجماهير الاجتماعية ، وبالتالي تبدو الحاجة ملحة لاستبداله أو الانتقال إلى مفهوم جديد ، لكن دون أن يعني ذلك وكأن العملية تقنية وآلية ، والحال أنه من الصعوبة بمكان التأسيس لمفهوم جديد للسلطة الا إذا توافرت العديد من الشروط والظروف الموضوعية بالخصوص ، ومن أهمها خلق أو صياغة توافق سياسي بين كل المكونات السياسية الفاعلة في الحقل السياسي عامة حول المشروع السياسي المراد بلورته في المجتمع والذي ينسجم مع المفهوم الجديد للسلطة المراد استنباته فيه ، ومن جهة أخرى أن يكون المجتمع نفسه في صلب هذا المشروع وأن يكون عضوا فاعلا فيه ، إذ لا يمكن أن نضع معالم لمفهوم جديد للسلطة دون أن يواكب ذلك وضع لبنات وأسس لمفهوم جديد للمجتمع ، وإذا لم تتم هذه العملية بهذا الشكل المتوازي فمن دون شك فهذا المشروع سيكون مصيره الفشل ، وبالتالي سنبقى نعيد ونجتر نفس أساليب المفهوم القديم للسلطة الذي لم يكن يراعي في كثير من جوانبه الحضور المجتمعي فيه ، فإشراك المجتمع في المفهوم الجديد للسلطة أمر أساسي لا مناص منه ، لكن السؤال المطروح وبحدة ،هو كيف يمكن أن نهيء هذا المجتمع ليكون في مستوى المفهوم الجديد للسلطة ، وثانيا بأي نخبة سياسية يمكن تحقيق هذا المفهوم الجديد ؟ نحن إذن أمام معادلة يعتريها شيء من التعقيد ، تستهدف الاشتغال على جانبين وهما النخبة السياسية والمجتمع في آن واحد ، وهذا أمر ليس بالسهل على الإطلاق ، خاصة إذا علمنا أن ثقافة وممارسات المفهوم القديم للسلطة لازالت حاضرة وبقوة بيننا ، ونعيش بين أكنافها ، ولم نستطع التخلص والتحلل من أقمطتها بشكل نهائي إلى حدود اليوم .
لا يمكن فك شفرة هذه المعادلة المعقدة التي طرحناها آنفا الا بتحديد أولا المقصود بالمفهوم الجديد للسلطة وثانيا المفهوم الجديد للمجتمع . يقصد بالمفهوم الجديد للسلطة إعادة تشكيل المشهد السياسي وفق نسق ثقافي جديد يحكم نوعية العلاقات داخل المجتمع ، وما يقتضيه ذلك من تنظيم الأحزاب تنظيما سليما وديموقراطيا ، فإذا كانت الأحزاب منظمة بطريقة سليمة وديموقراطية ، فإن إعادة تشكيل المشهد السياسي سيظهر إذا ما كان جديا من خلال المجهود التي تقوم به ، وليس من خلال التشتت الذي تقوم عليه الانشقاقات والتجمعات هنا وهناك ، ففي ظل هذا الوضع يصبح تشكيل المشهد السياسي غير ذي مصداقية ، ولهذا نستطيع القول أنه حينما لا يتم التوافق العلني ، ولا يحسم ببنود قانونية مسبقة ، وإنما بالاعتماد على الدسائس التي ترتكز عليها التوافقات السرية ، فإن إعادة تشكيل المشهد السياسي في المغرب سيبقى ضعيفا ، وبالتالي فالمفهوم الجديد للسلطة ينبني على أساس أنه سلطة تعتمد مسطرة قانونية معينة واضحة في تعاملها مع المجتمع ، بدلا من منطق القوة أو الضغط والظلم ، ثم من منظار آخر يمكن أن يتجسد المفهوم الجديد للسلطة انطلاقا من السؤال التالي الذي يجب أن يطرح على كل السياسيين ، ومن المفروض أن يجيبوا عليه ، وهو لماذا السلطة ؟ ما الذي يجعلني أتقدم للبرلمان أو لاستحقاقات أخرى؟ ولذلك عندما تتغير الغاية التي من أجلها يهرول السياسي للحصول على السلطة ، وبدلا من وضع المكاسب المادية والمعنوية كهدف أول و أخير، واستبدال ذلك ب: أريد السلطة لأنجز عملا ، أو لأحقق برنامجا أو أي شيء من هذا القبيل ،حينما لا يصبح للسلطة أية قيمة ، بدون إنجازات ، وعندما سيشعر الذين يملكون سلطة ما أنه من العيب أن يحتفظوا بسلطهم ، ماداموا غير منتجين ، حينئذ سيتغير مفهوم السلطة ، ونظر ا لكون هذا المفهوم الجديد للسلطة في المغرب لم يتيلور ولم تكتمل كل معالمه بعد رغم العديد من الإشارات التي جاءت مع العهد الجديد ، الا أن المجتمع المغربي لا زال في خدمة السلطة وفي يدها وليس العكس ، ومادام الأمر كذلك فيبدو أننا لا زلنا بعيدين عن هذين المفهومين اللذين نتحدث عنهما ، حيث يجب أن يسود العكس ، وهو أن السلطة هي التي يجب أن تخدم المجتمع وتكون في يده ، ولهذا نرى أن العلاقة بين السلطة والإنجاز بالمغرب محدودة جدا ، وهذا ما سيجعل السلطة ستظل ككرسي له مكاسب مادية ومعنوية ، دون إنجازات على أرض الواقع ، لكن في نفس الآن يجب الانتباه أنه بفعل هذه الوضعية ، يمكن أن تفقد السلطة هذا المجتمع ، ويمكن أن ينفلت من بين يديها ، كيف ؟ لأن الوسائل التقليدية التي كانت تمارسها السلطة للتحكم فيه قد بدأت في التلاشي ، دون أن يتم تعويضها بوسائل وظيفية أخرى تقوم مقامها ، هذا علاوة على كونها لم تقدم له إنجازات حقيقية كما أسلفنا الذكر ، تجعله يتشبت بها ، كل هذا سيجعل هذا المجتمع يدير ظهره لهذه السلطة ، لأن هذه السلطة لم تقدم للمواطن ما يثبت شرعيتها . أما بخصوص المفهوم الجديد للمجتمع ، فإنه يقتضي في المقام الأول أن يستعيد هذا المجتمع زمام الأمور وأن يكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقيه ، وأن يلتقط الإشارات التي أطلقه العهد الجديد كما أشرنا إلى ذلك آنفا ، وأن يحسن استغلالها ، ويقطع الطريق على الفاسدين والمفسدين ، وأن يرفع من منسوب وعيه السياسي ، ولا يكون أداة طيعة في أيدي أي كان الا بناء على قناعات واستنتاجات عملية وملموسة ، حت يستطيع قلب تلك المعادلة التي تحدثنا عنها في سياق هذه المقالة ، وهي أن يجعل السلطة هي التي تخدمه وليس العكس ،وذلك بالضغط من أجل تغيير لمساطر التوافقات ومساطر الحلول وتغيير لمعطيات أخرى بما فيها دور البرلمان والحكومة ورئيس الحكومة ، وهذا ليس مستحيلا خاصة وأن النظام السياسي في المغرب دائما له قابلية للتغيير والتطور ، والتكيف مع جميع المستجدات ، وله القدرة الكافية للاستجابة للعديد من المطالب السياسية والاجتماعية الملحة ، ولنا في العديد من التغييرات التي عرفها المشهد السياسي المغربي بعد أحداث الحراك العربي خير دليل على ما ندعي ، لكن شريطة أن تكون النخب السياسية والحزبية في مستوى ذلك ، وأن تكون أكثر نضجا ، وفي مستوى عال من اليقظة وطرح البدائل الحقيقية تساهم في تسريع وثيرة تطور المشهد السياسي المغربي ، هناك جيل جديد من السياسيين قد ظهرعلى الساحة السياسية في العقود الأخيرة له القدرة على الاشتغال على كل هذه الأمور وعلى هذه التحولات ، على الرغم من أن الجيل القديم لا زال مستحوذا على المناصب قد تفوق تلك المخولة للحكومة ، لكن لا ينبغي أن ينسينا ذلك أن هذه النخبة السياسية تؤسس لخطاب جديد من أن شأنه أن يجسر الهوة بين السلطة والمجتمع خاصة وأنها تبدو متشبعة بالقيم الديمويقراطية والحقوقية والحريات ، وهذا ما ينذر حقيقة بتحول سياسي حقيقي في الأفق المنظور ، يعززه الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه المغرب في الوقت الراهن والذي لا يسر أحدا ، ولذلك فالتغيير أمر واجب وملح .