بدايات ومسار الرواية المغربية وخصائصها الموضوعاتية والجمالية والتاريخية

إذا أردنا أن نقارب موضوع الرواية في المغرب بشكل يمكن أن يعطينا صورة واضحة وجلية حولها وحول وضعيتها، وجذورها وآفاقها ،وإن كان الأمر ليس بتلك السهولة التي يتصوره البعض،فأعتقد أن المسألة لا بد أن تمر عبر مسالك عدة : منها بالخصوص ما يرتبط بتاريخ نشأتها وهذا ما يمكن تسميته بمرحلة التأسيس والريادة ،والخصائص الجمالية والموضوعاتية وعلاقتها بالتاريخ وتأثير هذا الأخير عليها ، ليبقى الحديث عن مآل أو مآلاتها مؤجلا إلى مقال مستقل قادم.نحن لا ندَّعي أننا بالمرور عبر هذه المسالك أوهذه المداخل سنكون قد تحدثنا عن كل صغيرة وكبيرة مرتبطة بهذه الرواية أو قمنا باستبار أغوارها،أو أعطيناها كل ما تستحق من الدراسة وكشفنا عنها كل الأغطية التي تدثرها فهذا أكبر من أن تستوعبه مقالة صغيرة من مثل هذا الحجم ،فالموضوع ضخم ومتشابك ،وليس من اليسر فك خيوطه ومتاهاته بسهولة ،لكن حسبنا في هذا المقال أن نسلِّط شيئا من الأنوار على هذه الرواية والظروف المحيطة بها ومسارها والمخاضات التي تعيشها وما إلى ذلك.

من الناحية التاريخية نستطيع أن نقول أن الرواية في المغرب حديثة الظهور، وإرهاصاتها الأولى بدأت تتشكل معالمها مع مطلع النصف الثاني من القرن العشرين،وهي بذلك تكون متأخرة عن الرواية في المشرق بحوالي نصف قرن ،الشيء الذي يدفع الكثيرون إلى التساؤل حول أسباب هذا التأخر ،فهل المسألة تعود إلى ميل المغاربة إلى التعبير الشعري أو إلى التعبير القصصي أم إلى تعثر وسائل النشر باللغة العربية في الحقبة الإستعمارية ،أم أن ذائقة الكاتب المغربي في تلك الفترة لم تكن تسعفه على ارتياد عالم الرواية مع ما يفترضه من شساعة وتعقيد؟ وعلى أية حال ،ورغم هذا التأخر، فالأهم هو أن الرواية في المغرب بدأت تتلمس طريقها نحو التشكل والخروج إلى الوجود،وأصبح لها وزن وصيت كبيرين على المستوى العربي عامة،وإذا أردنا أن نتحدث عن انطلاقاتها الأولى، فحسب العديد من المؤرخين لهذه الرواية فتاريخ هذه الانطلاقة كانت مع كتاب الزاويةالتهامي الوزاني 1946″،وهناك من قال إن البداية سجلتها الرواية التاريخيةوزير غرناطة “”لعبد الهادي بوطالب1950″،بَيد أن الاتفاق حصل بعد ذلك على أن بداية الرواية بمعناه الإجناسي المتعارف عليه إنما كانت حسب الناقد المغربي حسن بحراويصاحب كتاب بنية الشكل الروائيلصالح رواية دفنا الماضيالتي نشرها في بيروت الكاتب والصحفي عبدالكريم غلاب سنة 1966، متبوعة برواية جيل الظمإ1967″ التي نشرت هي الأخرى في بيروت من طرف الفيلسوف محمد عزيز الحبابي،قبل أن يتوالى صدور روايات أخرى ابتداءا من سبعينيات القرن الماضي مثل رواية الغربة“”لعبد الله العروي1971″ والطيبون“” لمبارك ربيع“1972 ،وبدأت بذلك هذه الرواية تحقق تراكمات كمية ونوعية إلى يومنا هذا ،حيث أمسى هذا الجنس الأدبي يتسيَّد المشهد الثقافي في المغرب وأصبح العديد الكتاب يُيَمِّمُون وجوهم شطره،وسقطوا في شراكه بشكل لافت.بعد المرحلة الستينية التي يمكن اعتبارها ( كلاسيكية) من الناحية الفنية حيث الفضاءات والشخوص مرسومة بطريقة نظامية أي مستوفية للشروط المألوفة من وصف وتقديم ،ستعبر الرواية المغربية تدريجيا نحو مرحلة تعطي الاعتبار لمسائل البناء الجمالي وطرائق السرد الحكائي المتحرر نسبيا من القيود وتقترح بالتالي عل القارئ محاولات شكلية على هذا القدر أو ذاك من الحداثة والتجريب ،خاصة من حيث التعبير الشعري وتعدد الرواة وتشظي الأحداث وغير ذلك مما استفاده الكتَّاب الشباب أمثال محمد زفزاف وأحمد المديني ومحمد عزالدين التازيمن قراءاتهم لمنجزات الرواية الغربية وانفتاحهم على المتن المشرقي الطليعي ،على الصعيد الموضوعاتي ستبارح الرواية المغربية تيمة (الأطروحة الوطنية )التي جرى تداولها بقوة لدى الكتَّاب الروادكغلاب والعروي وربيع وانصب على تصوير ذيول الاستقلال السياسي للمغرب وما ترتب عنها من خيبات وانتكاسات أصابت المجتمع الذي كان يتطلع للعدالة والحرية ،وتبرز للوجود شخصية الإنسان البسيط والموظف الصغير الذي يعاني من الضغط الاجتماعي والعوز الاقتصادي كما بلورها زفزاففي رواياته المتعاقبة ،وحاول لفيف من الروائيين الآخرين ممارسة حداثة تجريبية كانت إعادة لوعيهم الجمالي والفني أكثر منها تعبيرا عن الوعي السياسي أو التصوير الواقعي لمجتمع يعاني أفراده من فقدان الهوية وصعوبة الانتماء ،ومال آخرون استثمار الأساطير والرموز القديمة والجديدة للتعبير عن فكرة لم تكن دائما ذات قوة أو جاذبية بالنسبة للحاضر أو المستقبل ،ومع حلول الألفية الثالثة طفت إلى السطح محاولات أدارت ظهرها للهموم الروائية المشتركة وانساقت وراء متاهات تخييلية يأهلها التمرد والجنس والنزعة الفردانية ،وأصبحنا معها على مبعدة منظورة من عوالم الفئات المهمشة اجتماعيا والمحبطة اقتصاديا والمقموعة سياسيا ،والتي وإن كانت قد واصلت الحضور في بعض الأعمال ،فإنها صارت قطعة من ماضي الرواية المغربية التي لم تتجاوز عقدها السابع إلا بقليل،أما عن علاقة الروائي بالتاريخي فلا شك أن التاريخ على الدوام يمارس سطوته وتأثيره ليس على الرواية وحسب وإنما على كل أجناس الأدب عامة بل وحتى على كل أصناف الفكر الأخرى على تعددها ،ويظهر هذا التأثير بشكل واضح في تجربة جورجي زيدانفي مستهل القرن الفارط،ةوسار على نهجه العديد من الكتاب سواءا في المشرق أو في المغرب حتى أمست هذه الكتابة التاريخية جنسا قائما بذاته،وكانت التجارب الأولى في السرد المغربي الحديث قد جعلت الشخصيات التاريخية مدخلها إلى التعبير الفني كما هو حاصل مع عبد الهادي بوطالبفي وزير غرناطة،وتواصل استلهام التاريخ في الرواية مع الأجيال اللاحقة من الكتَّاب الذين كاد بعضهم أن يتخصص فيه مثلأحمد التوفيقأو بنسالم حميش وسعيد بنسعيد العلويوغيرهم كثير.إن أشكال الانكباب على التاريخ في الرواية المغربية يعتبر شيئا أكثر من ظاهرة عابرة ،بل يوشك أن يمثل متلازمة رافقت هذه الرواية منذ نشأتها بكل التنوع والتعدد المتوقعين في هذا السياق ،فهل يكون هذا الصنيع دليلا على انحياز الكاتب المغربي للوقائع المعاشة والملموسة التي يرددها التاريخ، وبالتالي استبعادا للمتخيل أمام جميع الكتَّاب ؟ أم أن الوقوع تحت طائلة التاريخ هو أحد الاختيارات التي ركبها كتاب كانوا في معظمهم مؤرخين وفلاسفة قبل أن تستهويهم الرواية وتأخذ بجماع اهتماماتهم؟

Loading

Share
  • Link copied